من
هو سقراط ؟
سقراط
(470-399 قبل الميلاد) هو بلا شك الشخصية الأكثر غموضا في تاريخ الفلسفة بأكمله.
لم يكتب سطر واحد. ومع ذلك فهو واحد من أولئك الذين كان لهم أكبر تأثير على الفكر
الأوروبي. ساهم إلى حد كبير في ذلك موته الذي حدث في ظروف دراماتيكية.
نعرف أنه ولد في أثينا وأنه كان يقضي معظم وقته في
التحدث مع الناس الذين يلتقيهم في الشارع أو في السوق. كان يقول عادة: "ليس
بإمكان الأشجار في الريف أن تعلمني شيئًا". كما كانت له القدرة على البقاء
ساعات طولة غارقا في أفكاره.
[...]
ويعود الفضل في معرفتنا لحياة سقراط إلى
تلميذه أفلاطون، الذي أصبح بدوره أحد أعظم الفلاسفة في التاريخ. كتب أفلاطون
العديد من المحاورات أو المناقشات الفلسفية باستخدام سقراط كمتحدث.
لكن عندما يضع أفلاطون كلاما على لسان سقراط، فإننا لا
نملك أية وسيلة للتأكد ما إذ كان سقراط قد قال ذلك بالفعل. ومن الصعب كذلك التمييز
بين دروس سقراط وكلام أفلاطون نفسه. [...]
لكن معرفة من كان سقراط كما كان في الحقيقة ليست على
درجة كبيرة من الأهمية. إنها قبل كل شيء صورة لسقراط التي نقلها أفلاطون والتي
ألهمت المفكرين الغربيين طوال ألفي وخمسمائة عام.
فن الحوار
يكمن سر الفعالية عند سقراط هو أنه لم يكن يحاول تعليم
الناس. بل على العكس من ذلك، كان يعطي انطباعًا بأنه يريد التعلم من محدثه. لم يكن
يعمل درسا مثل مدرس مبتذل. على العكس، كان يجادل.
لم يكن بالتأكيد ليصبح فيلسوفًا مشهورًا لو اكتفى فقط
بالإنصات للآخرين. ولم يكن ليحكم عليه بالإعدام أيضًا. في الواقع ، كان يبدأ بطرح
الأسئلة. بهذه الطريقة كان يتظاهر بعدم معرفة أي شيء. ثم أثناء الحوار كان ينضبط من
أجل أن يكتشف الآخر شيئا فشيئا عيوب منطقه، إلى أن يجد محاوره نفسه في النهاية
محصورا لدرجة أنه يصبح مضطرا للتمييز بين الصواب والخطأ.
المعرفة الحقيقية لا يمكن أن تأتي إلا من الداخل. لا أحد
يستطيع أن يقذفك بها. المعرفة الحقيقية تأتي من الداخل. […] ، بإمكان جميع الناس التوصل
إلى الحقائق الفلسفية إذا ما وافقوا على استخدام عقولهم. فعندما يبدأ الإنسان في
التفكير، يجد الإجابات داخل نفسه.
بتظاهره بأنه لا يعرف شيئًا، كان سقراط يجبر الناس على
التفكير. كان سقراط يعرف كيف يلعب دور الجاهل أو على الأقل دور الشخص الأكثر غباءا
مما كان عليه وهذا ما يسمى "سخرية سقراط". وهكذا ظل بمقدوره اكتشاف نقاط
الضعف في منطق الأثينيين. [...]
صوت إلهي
غير أن هدف سقراط لم يكن ازعاج مواطنيه بلدغهم باستمرار.
كان مدفوعًا بشيء لم يترك له خيارا. كان يأكد على أنه كان يسمع باستمرار "صوتا
إلهيا" في أعماقه. كان سقراط يعارض على سبيل المثال عندما يطلب منه المشاركة
في تنفيذ عقوبة الإعدام لمواطنينه. وبالمثل، كان يرفض الكشف عن أسماء المعارضين
السياسيين. فكلفه ذلك في النهاية حياته.
في عام 399 ق.م اتهم "بإدخال آلهة جديدة" و
"إفساد الناشئة". بأغلبية ضئيلة جدا، أدين أمام محكمة من من 500 عضو.
كان بإمكانه أن يطلب العفو عنه. على الأقل كان يمكن أن ينجو
بنفسه لو قبل بمغادرة أثينا. لكنه لو كان قد فعل ذلك لما كان سقراط. كان يضع ضميره
والحقيقة على مرتبة أعلى من حياته، هذا كل شيء. كان يؤكد على أن لا يتصرف إلى من
أجل الصالح الاجتماعي. وحكم عليه بالإعدام. تجرع بعد فترة وجيزة كأس السم بحضور
أقرب أصدقائه. ووقع ميتا.